الإنسانُ محورُ الكون، الإنسانُ أكرمُ المخلوقات على الله تعالى، خلقه في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وأرسل له الرسل، وأنزل عليه الكُتب، وسخّر له الكونَ كلَّه بسماواته وأرضه!!
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
كرَّم الله الإنسان بغضّ النظر عن لونه، أو عرقه، أو بلده، أو دينه، أو مذهبه.
أو دينه؟!!
نعم الإنسان مكرّم بغضّ النظر عن دينه..
روى البخاري: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ!!
فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!!
أليست نفساً: أي أليست روحاً أليس بشراً؟!! (لقد كرّمنا بني آدم) فكلّ بني آدم مُكرَّمون عند الله تعالى.
هذه القيم العظيمة، تكريمُ الإنسان، والحفاظُ على حقوقه، وقيمةُ التسامح والتعايش والرحمة والرأفة والمعاملة بالحسنى، هل ستبقى قيماً فقط للتمدّح والتغنّي والخطب الرنّانة والمقالات البليغة؟ أم لا بدّ من تحويلها إلى سلوكٍ فاعل وأخلاقٍ غالبةٍ، وإجراءاتٍ عمليّة؟
لقد كانت هذه القيم منتشرةً زمنَ قوّتنا وتمكّننا، لكنها تضاءلت في عصرنا هذا، ففي زمن الهزائم والخذلان والضّعف يشيع الفقه المتشنّج، الحدّي مع الآخر (العين الحمرا).. وفي زمن التمكين والاستقرار والقوّة.. يشيع فقه التسامح والتعايش..
لقد افتقدنا هذه القيمَ عند صنفين من الناس..
الصنفُ الأوّل: المتشدّدون والمتطرّفون من المتديّنين.
والصنفُ الثاني: غيرُ الأخلاقيّين؛ ممّن لا دين له ولا خلق ولا قيم؛ ممّن يَعتبر الحياة مادّة، فمن الذكاء جمعُ ما تستطيع منها دون قيد أو شرط.
فالإنسانُ دون دينٍ وخلقٍ وضميرٍ، وحشٌ كاسر، أطماعُه تَجعلُه يرتكبُ المَجازر، التي يذهب ضحيَّتها النساء والأطفال والشيوخ، ويُتاجرُ بالأعضاء والأطفال والنساء، ويُمارسُ الغشَّ والخداع والاحتيال؛ ليروي شهواته ورغباته..
وهنا نؤكّد على ما يُميّزُ الإنسان، وهو القلب والروح، فالحضارةُ الماديّة منحت الإنسان الرفاهيةَ، لكنّها لم تمنحْه السكينة، ووفّرت له المتعةَ الماديّة، ولم تُوفّر له السعادةَ الروحيّة، وهيّأت له الوسائلَ والأدواتِ، ولم تهيّء له المقاصد والغايات، فهو يحيا حياةً لا يعرفُ لها هدفاً، ولا يجدُ لها معنىً(1).
فالتقدُّم والازدهار، الذي نراه في كلِّ مكان من العالم، إنْ لم يرافقْه نهضةً خُلقيّةً وروحيّةً وقيميّةً، فسيبقى تقدُّماً وانتعاشاً على صعيد المُخترَعاتِ، وأدواتِ الرفاهية والزينة، وأسباب القوَّة فقط، وهذا سيُشكِّل مأساةً على المدى البعيد!
إنّ المذهبَ الوجوديّ الإنسانيّ قدّم للإنسانيّة وعوداً لم يحقّقها، كما أنّه أفقدَ الناس الشعورَ بالطَّمأنينة الروحيّة، وجعلَ الناس عبيداً للمادّة.
أمّا المتشدّدون والمتطرّفون فقد شوّهوا جمال الإسلام وتسامحه ونزعته الإنسانيّة بتصرّفاتهم الرعناء، وروحهم المتعصّبة والطائفيّة، وقلبهم البغيض الأسود..
إلى الآن ما زال بعضنا يعيش بعقليّةٍ كعقليّةِ العصور الوسطى المتخلّفة في أوربّة، التي كانت مشغولةً عن حقوق الإنسان وحرّيّته وأحلامه وتطلّعاته، وكيف نحمي الإنسان من الفقر والجهل والمرض والقهر؟! بينما هم يهدرون الإنسان دفاعاً عن جناب الله تعالى -بزعمهم-، ويسفكون الإنسان خوفاً من الهرطقة والضلال بزعم الكنيسة(2)..
وكذلك بعضنا يعتدون على إخوانهم، لمخالفتهم رأيهم في بعض صفات الله تعالى، أو حكم التوسّل برسول الله عليه الصلاة والسلام..
فكيف يتساهلُ بعض المتشدّدين مع الذين يفجّرون أنفسهم بين أناس لمجرّد مخالفتهم لهم في الدين، وانتمائهم إلى دولة معادية؟، أو لاستحقاق أحدهم للقتل برأي ذلك القاتل؟!!
بالفعل سلوكيّات بعض الغلاة تؤيّد من يقول: (المتديّنون منشغلون بتنزيه الله تعالى، وغافلون عن حقوق الإنسان) مع أنّ الإسلام جاء لسعادة الإنسان ورعاية حقوقه.. إلى جانب ربط قلبه بخالق الكون الواحد سبحانه وتعالى.
وقد كان نبيّنا محمّدٌ عليه الصلاة والسلام الإنسانَ الكامل، فحتّى عندما كان مُستغرقاً في الصلاة كان يراعي أحوال الناس خلفه، قال: ((إذا صلَّى أحدُكُم إماماً للناس، فليُخفِّف، فإنّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ. وإذا صلَّى لنفسه –أي مُنفرداً– فليُطوِّل ما شاء)) متفق عليه.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم: ((إنّي لأقومُ إلى الصلاة، وأريدُ أن أطوِّلَ فيها، فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ، فأتجوَّزُ في صلاتي كراهية أن أشُقَّ على أمِّه)) متفق عليه.
والآن ما المطلوب؟ حتّى نُحييَ النزعة الإنسانيّة عندنا؟
أولاً: التعامل برفق مع مخلوقات الله من حيوان ونبات:
علينا أنْ نُعمِّقَ النزعة الإنسانيّة لدى الأجيال الجديدة؛ من خلال التعاطف مع الحيوان، ومع الأشياء من حولنا؛ بغيةَ بناءِ خطوط دفاع متقدِّمة، تَحول دون ظلم الإنسان أخاه الإنسان.
فالنصوصُ الواردةُ في مديح من يُساعد الحيوان، وذكر الوعيد الشديد على إيذائه – تستهدف تنميةَ المشاعر الخيِّرة، ومشاعر الأُلفة والرعاية، كما تستهدف كبحَ المشاعر الشرِّيرة.
كما يجب صيانةَ ما هو موجود من الثروة الحيوانيّة والنباتيّة، وتنميته وتكثيره؛ لأنّ الناسَ يكثرون، وهم بحاجة إلى المزيد من الموارد، ونجد في هذا المعنى قوله – صلّى الله عليه وسلّم -: ((مَن غَرَسَ غَرساً لم يأكُل مِنهُ آدَمِيٌّ، ولا خَلقٌ من خَلق الله -عزّ وجلّ- إلا كان لهُ صَدَقَة)) أحمد وغيره، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إن قامَتِ الساعةُ على أَحَدِكُم وفي يَدِهِ فَسيلَةٌ، فإنِ استَطاعَ ألاَّ تقومَ حتى يَغرسَها فَليَغرِسها)) أحمد وغيره.
كما جاء التوجيهٌ للمسلم أنْ يتعاطفَ مع مخلوقات الله تعبيراً عن الرحمة التي في قلبه، وشكراً له سبحانه على ما سخَّره منها، وورد النهي عن إيذاء الحيوانات في أحاديث كثيرة، منها أنّه نهى عن الضرب في الوجه، وعن الوَسْم في الوجه، ومرَّ يوماً بحمار قد وُسِم في وجهه، فقال: ((لعنَ الله الذي وَسَمَهُ)) رواه مسلم، والوسم: هو كي الحيوان بحديدة محماة حتّى تترك علامة للزينة، أو لتمييز الحيوان بتلك الإشارة.
ومرّةً أخذ بعض الصحابة فِرخَيْ طائر، فجاءت أمّهما ترفرف باحثةً عن صغيريها، فقال فداه روحي: (من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها)، (ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنّه لا ينبغي أن يعذّب بالنّار إلا ربّ النّار!!) أبو داود.
ثانياً: معاملة الناس كلّهم بأخلاق فاضلة:
معاملةُ الناسِ كلِّهم بالقيم نفسها، وليس المسلمون الملتزمون فقط، كذلك الشاب الملتزم الذي ركب الحافلة، ولمّا اكتظت بالركاب، صعدت امرأة طاعنةٌ في السّنّ، فلم يَقمْ لها ليُجلسها موضعه، لأنَّها كانت سافرةً، ولمّا صعدتْ امرأةٌ مُحجّبةٌ، قامَ لها وأجلسها مكانه، على الرّغم من أنّها أحدث سنّاً من العجوز، فكان تصرّفُه غيرَ لائق..
فإطعام الفقير، وتعليم الجاهل، وعلاج المريض، ومساعدة المحتاج… أفعال فاضلة ينبغي تقديمها لكلّ إنسان، بنفس الجَودة والحماسة..
روى البخاريّ عن حبيبنا صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ).
أي: كلّ كائن حيّ لنا بمساعدته أجر..
فعمل الخير يجب أن يتناول بني آدم، بغضّ النظر عن انتمائه وعرقه ولونه..
فإذا دخلت امرأة النار في هرّة حبستها حتّى ماتت، ودخل الجنّة رجل سقى كلباً ماء فأنقذ حياته، فكيف بمن يساعد إنساناً!..
بل هذه الأخلاق الفاضلةُ كثيراً ما كانت سبباً لكي يُحبّ غيرُ الملتزم الالتزامَ بتعاليم الإسلام، والخلقُ الحسن كثيراً ما كان سبباً لكي يدخل غيرُ المسلم في الإسلام، لإعجابه بسلوك بعض المسلمين.
قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين) وليس للمسلمين فقط.. وقال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) والبِّرّ: هو أفضل المعاملة، طُولبنا بالبرّ لأهمّ مخلوقين عندنا وهما: الوالدان، والآية الكريمة تطالبنا بالبرّ لغير المسلمين المسالمين، أمّا القسط فهو العدل.
ثالثاً: عدم التسرع بالحكم على ظاهر الناس، والرفق بالعُصاة والشفقة عليهم:
بعضُ الشباب يحلقون لحاهم، ويلبسون الثياب الضيّقة، وقد أطالوا شعورهم، لكنّهم يحافظون على الصلاة، ويحافظون على صيام النوافل، وفي بعضِ البلدان أعدادٌ هائلةٌ من النساء لا يلبَسنَ الحجاب، ويخرجنَ متزيّنات، ورغم ذلك يُحافظن على الصلاة، وتلاوة القرآن والأذكار، وبعض رجال الأعمال ينفقون على الفقراء والمحتاجين سرّاً، مع أنهم مُقصّرون في أداء الصلاة، وربما يَتساهلون في طرق الكسب وجمع الثروة..
فالحكمُ على الناس بناء على المظاهر -التي قد يكون بعضها مُحرّماً- خطأٌ، قد ينتهي بنا إلى الانصرافِ عنهم، وتركِ الاهتمام بهم، بل قد يدعونا إلى معاداتهم، (فكلُّ ابن آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون)، فكثيرٌ من هؤلاء فيه خيرٌ كثير، وقَابليّةٌ كبيرةٌ للصلاح، بل كثيرون ربّما يتفوّقون على الملتزمين بطيب القلب، وحُسن الخلق، والشهامة والرحمة، ويحبّون الالتزام، لكنّ نفوسهم تغلبهم عليه، ويشعرون بالتقصير والانكسار لله تعالى بسبب ذلك..
بينما نحن ـ الملتزمين ـ نشعرُ بالتفوّق والاستعلاء عليهم!! وهذا من باطن الإثم، الذي ينبغي أنْ ننتبه له..
ورحم الله القائل: ربَّ معصيّةٍ أورثت ذُلاً وانكساراً، خيرٌ من طاعة أورثت عزّاً واستكباراً.
ولو قلتُ لبعض الناس في حقّ مُدْمن خمر: (هذا يحبّ الله ورسوله) لعله يُبادر ويقولُ: ما هذا التمييع بالدين، وما هذه المبالغة الممجوجة؟!!
فهذا صحابيّ (كما روى البخاريّ) مُدْمن خمر، وكان فكهاً، يُضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذاتَ مرةٍ جِيء به وقد شرب، فأُمر به ليجلد، فقال شخص: (لعنه الله، ما أكثر ما يُؤتى به).
فقال رسولنا الكريم الرحيم عليه الصلاة والسلام: (لا تلعنه، فإنّه يحبّ الله ورسوله)…
مثل هذه النصوص تغيب عن ثقافة المتشدّدين المتجهّمين، والغلاة القساة.. الذين شوّهوا الدين، وبغّضوه للنّاس.
رابعاً: تنمية مشاعر الصَّفح والعفو والإعذار:
وذلك من الاستجابة لأمر الله تعالى في هذه الأمور أوّلاً، ومن أجل التَّكيُّف والتأقلم مع الطبيعة البشريّة الخطّاءة، حيث إنّ علينا دائماً أنْ نتوقَّعَ تصرفاتٍ غيرَ ناضجة، ومواقفَ غير سديدة، وإنّ التوقُّف عندها، والمحاسبة عليها، على نحو مستمرّ من العوامل التي تزيد في الاضطراب الاجتماعيّ، وقد قال الله تعالى مادحاً العفو وأهله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ!}.
وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وقد كان نبيّنا ﷺ يُقدّمُ الأنموذج الأسمى في العفو عن الإساءات، وغضّ الطرف عن الهفوات، وفي هذا تقول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((ما ضربَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادماً، إلا أن يجاهدَ في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقمَ من صاحبه إلا أن يُنتهَكَ شيءٌ من مَحارم الله تعالى، فَينتقمَ لله)) رواه مسلم..
فالأسبابُ التي تجعل الناس يُسيئون التقدير، أو يقعون في الزلل، أو يَجرون خلف رغباتهم أكثرُ من أن تحصى، ولو أنّنا عرفنا هذا حقَّ المعرفة، فإنّنا سنجد أنّ العفو والصفح هو الموقف الصحيح في معظم الأحيان.
وقد ثبت أنّ فرضَ القوانين من غير تثقيف وتربية، وإحداث تغييرات مهمَّة على صعيد الرُّوح والنفس… لا يكون ذا فائدة تُذكَر.
وقبل أن ننهي كلامنا، هناك تساؤلان على ما قدّمنا:
سؤال يتعلّق بنا نحن المسلمين، وآخر يتعلّق بغيرنا.
أمّا التساؤل الأوّل: أين الولاء والبراء، والحبُّ في الله والبغضُ في الله؟
الجواب: أمّا الولاء والبراء، فمن المؤكّد أنّنا لا نوالي أعداءنا، ونحن نبرأ من عقائد غير المسلمين. وأمّا الحبّ في الله، والبغض فيه: فيجب أن نكره المعصية، ولا نكره العاصي، ونكره الكفر، ولا نكره الكافر، وإلا فكيف ستدعو من تكرهه؟
وكيف ستحرص عليه، وتشفق عليه من عذاب الآخرة؟، فاللازم هو كره الكفر والمعاصي، لا كرهَ الكافر والعاصي..
ثمّ إنّنا نخلط بين أوامر الشرع وقتَ الحرب، وبين أوامره وقتَ السِّلْم، فبعضُ الكتّاب والجماعات متخصّصون بكتابات الجهاد القتاليّ، فهؤلاء يتشبّع فكرهم بقيم الحرب وتعاليمه، وإذا لم ينتبهوا لذلك تَخرجُ آراؤهم غير متوازنة، وينعكس ذلك على كتاباتهم كلّها، فيشوّهون جمال الإسلام.
كما أنّ قوماً على الطرف المقابل، يغلب عليهم الكتابة والتنظير للحياة العاديّة وقت السِّلْم، ولا ينتبه لحساسية الحرب، واختلافِ النظر فيها، فيُدخِلون قيم التسامح والتعايش لساحة الحرب..
والصوابُ أنَّ لكلِّ حالٍ أحكامها وآدابها وأخلاقها، فما يصلح وقتَ الحرب لا يصلح وقت السلم، والعكس صحيح. ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا = مُضِرٌّ، كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى.
التساؤل الثاني: الآخر ليس متسامحاً معنا كما تطالبنا أن نكون معه:
قد يقول قائل: الآخر الذي تتحدّث عنه، وتطلب منّا معاملته بالحسنى، يتصرّف معنا بحقد وطائفيّة، ويقف مع الغرب، والغرب نفسه الذي يُنادي بحقوق الإنسان، هو يطبّق الحقوق، لكن للشعوب الغربيّة لا لنا.
ونقول: بشكل عام: كلامكم صحيح، لكن تصرّف الآخرين وحقدهم ليس مسوّغاً لمقابلته بحقدٍ مثله..
وإلا فما الميزة لنا عليهم؟ إذا شابهناهم بالطباع والأفعال والأخلاق؟
الإسلامُ يُريد أن يكون المسلم صاحب قلب نقيّ صافٍ، لا محلّ فيه للبغضاء والحقد، وهذا لا يعني الغباء (والسذاجة، أو البلاهة) فنحن طيّبون باختيارنا، لا عن غفلة، (فلستُ بالخِبّ ولا الخبُّ يخدعني)، فمن اعتدى علينا فليس له إلا البندقيّة (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، فوقتُ الحرب نُري أعداءنا شدّةً وقسوةً، وصبراً وشجاعةً تَردعه.
ولِمَنْ كان مسالماً موادعاً نحن أطيب من عليها.