ما هي حاجتنا للنقد؟[i]
• النقد كالدواء… مرٌّ، لكنّه مهمّ في التقويم والتصويب.
• والناجحون دائماً يطلبون من يرشدهم للخلل، وكذلك الأمم المتطوّرة تفرح بالكتابات الناقدة النوعيّة، حتّى إنّ الشركات الكبرى تموّل أبحاثاً لنقدها وذلك لتطوير منتجاتها وخدماتها وأدائها.
• بل أضحى للتفكير الناقد كتبٌ ودورات تقوم بها المؤسّسات والمنظّمات، وتحرص في اجتماعاتها على تمثيل الفكر الناقد، وذلك لأجل الانتباه للأخطاء والمخاطر والعيوب ونقاط الضعف في القرارات، وحرصاً على التطوير والإبداع، فلا يمكن إبداع جديد ما لم نشعر بقصور القديم، وبالتالي نقوم بالبحث والتنقيب والتفكير بحلول جديدة.
• فالتطوير والتقدّم مدينٌ للنقد، فلولاه لما عرفنا خطأ السابق، أو قصوره على الأقلّ، ولم نشعر بالحاجة لشيء أكثر صلاحيّة وتطوّراً، فالنقد بداية الإبداع، فلا بدّ من نقد السابق لنفكّر بإبداع الجديد.
• والمطلوب مرآة صقيلة مستوية، ترينا صورتنا على حقيقتها، لا المقعّرة التي تضخّمنا، ولا المحدّبة التي تصغّرنا.
• ولكن أليس بعض النقد هدّاماً؟ وبعضه جلداً للذات؟ وبعضه هدّاماً للرموز؟ وبعضه تشويهاً للتاريخ؟
• هنا يجب أن نميّز بين المندسّين المغرضين الهدّامين المعادين للمشروع الإسلاميّ، وبين الناقدين الناصحين الصادقين المنتمين للتيّار الإسلاميّ، الذين همّهم النصح والإصلاح والتطوير والتصحيح، فلا يدفعنا حبّنا وانتماؤنا وولاؤنا للتنظيمات والجماعات، وحماستنا لأفكارنا أن نضع الجميع في سلّ واحد.
• فهل كلّ ناقد كاره لمن ينقدهم؟ أو ضالّ أو مخطئ؟ أو يريد الشهرة والصعود على أكتاف المنقود، أو صاحب مصلحة أو مدفوعٌ له؟!
• علينا سماع المخالفين والنقّاد، بل البحث عنهم وعن أطروحاتهم، حتّى نطّلع عليها، ونقارن بينها وبين أفكارنا وسلوكنا، فنأخذ ما نراه صواباً، ونترك مالا نراه مناسباً.
• لأنّ المحبّ والمنتمي عادة لا ينتبه للأخطاء، لانغماسه بالعمل والتنفيذ، أو لشدّة حبّه وولائه، بينما من نصنّفهم (ناقدين متحاملين) فإنّهم كثيراً ما ينتقدون أشياء تستحقّ الانتقاد.
• ينبغي ألّا نتعامل مع كلّ فكرة مخالفة، أو نقد على أنّه (طعن) و(شبهات) ينبغي الردّ عليها، فنكون نتلقّى الكلام دون استماع، ولا فهم ولا تعقّل، بل نتلقّاه بألسنتنا لنردّ عليه كما عبّر القرآن الكريم:
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ)،
بدل أن نتلقّاه بآذاننا لنعيه ونفهمه، ولا نتركه يمرّ على عقولنا، فلعلّ النقد صواب! ولعلّ الحقّ معه.
• إخواني: النقد والحوار ينفع مع من كان ولاؤه للإسلام أكبر من ولائه للفكرة أو الحركة أو التنظيم.
• النقد والحوار ينفع مع من يرى حزبه وجماعته ومذهبه الفكريّ أو الفقهيّ أو العقديّ أو السلوكيّ يراهم جزءاً من المسلمين، وليس الممثل الحصريّ للإسلام!
• أمّا من يرى تطابقاً بين فكره والإسلام، فلا ينفع معه النقاش، فهو ينطلق في نقاشه من كونه الممثّل الحصريّ للإسلام، فأيّ نقد لفكره يعني عنده نقداً للإسلام!
• وعلى كلّ حال.. فليس الحلّ مع الناقدين بنصب محاكم التفتيش والإقصاء، وتراشق التهم والألقاب والدخول بالنّيّات.
• كما أنّ السخرية والاستهزاء والتسخيف والاستخفاف بالناقدين ليس حلّاً، لأنّه يوغر الصدور، ويجافي بين القلوب، ويفرّق الصفّ، وقد يحوّل المنتقِد من مجرّد منتقد إلى عدوٍّ حقيقيّ.
[i] هذا المقال مقتبس من كتاب بصراحة
تحت عنوان: بين النقد والهدم