الذي يريد الإصلاح ينطلق من الواقع لتصحيحه وتقويمه فيدرس القدرات (الاستطاعات) ويقدر المصلحة، ثم ينطلق بإصلاح الواقع، فمن أوائل الخطوات في التخطيط للقيام بأي مشروع: (دراسة الواقع ومعرفة نقاط قوتنا وضعفنا والفرص والمخاطر).
أما نسف الواقع ، وعدم الاعتراف به فغير معقول وغير ممكن، ولم يفعله رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو المؤيّد من ربّ العزة..
ولا يفعله أحد على وجه الكرة الأرضية من العقلاء.. مثلاً مسألة: (استعانة المسلمين بالكفار) النصوص الشرعية التي يستشهد بها المحرمون تقتصر على جانب واحد وهو المنع.. بينما هناك نصوص ومواقف نبوية تؤيد القول بالجواز.
والفقه في هذا هو فقه السياسة الشرعية وتصرفات الإمام، والذي يقتضي التعامل حسب مصلحة المسلمين واختيار الأنسب لهم، فالاستعانة بالكفار فيها نصوص تؤيد ونصوص تمنع.
والمعتمد في هذا عدم إطلاق الجواز، وعدم إطلاق المنع، بل الصواب الرجوع لمصلحة المسلمين وحالهم..
فإن كانت مصلحة المسلمين بالتحالف مع عدوٍ ضدّ عدو ثالث، فلهم ذلك، وإن كانت مصلحة المسلمين بعدم الاستعانة بغيرهم -بأن كانوا يخشون تسلّط من استعانوا به عليهم- فلهم ذلك.. فالأمر يعود لتقدير المصلحة حسب الواقع..
فـ(عمل الإمام منوطٌ بمصلحة المسلمين) كما هي القاعدة الشرعية المعروفة في باب السياسة الشرعية..
صحيح أنه ينبغي أن يطوّر المسلمون أنفسَهم بحيث يستغنوا عن الخارج..
لكن الاستغناء عن الخارج -بشكل كامل- ليس بمستطاع دائماً
واشتراط (استغناء المسلمين عن الخارج) غير ممكن..
وفيه تحميل للمسلمين بما لا يطيقون..
ورحم الله شيخ الإسلام حين قال:
“إِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:! {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} المفسر لِقَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ؛ وَعَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ المصالح وتكميلها؛ وتعطيل الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، فَإِذَا تَعَارَضَتْ كَانَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احتمال أدناهما: هُوَ الْمَشْرُوعَ“ فانعدام مراعاة فقه الواقع، والاستطاعة، وتقدير المصلحة، أساس البلاء !!