المفكر والحركي: هل يكملان بعضهما أم يتصارعان؟

أيّهما أهمّ: المفكّر أم الحركيّ؟[i]

خلال نقاشاتنا وحواراتنا كثيراً ما نسمع من يقول: إنَّ هذا الكلام تنظير.

ويقولون: ما أكثر المنظرين وما أقلّ العاملين.

ويقولون: هذا تنظير بارد، بعيد عن أرض الواقع.

ويقولون: عامل وحركيٌّ واحد على الأرض، خير من ألف منظّرٍ لا ينزل إلى ساحة العمل.

فهل فعلاً لدينا كمّ كبير من المنظّرين؟ وماذا نقصد بالمنظّرين؟ وهل العامل الحركيّ خير من المنظّر؟

لا شكّ أنّ الحركة بركة، والعمل واجب، وأنّ الإيمان لا ينفع ما لم يُشفع بالعمل الصالح، وأنّ التنظير يبقى كلاماً، ما لم يُترجم إلى واقع ملموس.

ولا ريب أنّ بعض الكُتّاب والمفكرين يجلسون في بروج عاجيّة، ويخاطبون الناس من علٍ، دون ملامسة لهمومهم، ودون اكتراث بمعاناتهم؛ فلا يتألّمون لآلام الناس، ولا يأملون آمالهم، ولا يحلمون أحلامهم..

لكن: هل هذا يسوّغ لنا أنْ نعمّم القول، بتفضيل العاملين على العلماء، والحركيّين على المفكّرين، والميدانيّين على المنظّرين؟!

وأن نهاجم كلّ منظّر أو مفكّر أو كاتب أو عالِم ينقد بعض ممارسات العاملين أو تصوّراتهم وأفكارهم؟ أو حتّى ينقض النظريّة كلَّها التي تأسّس عليها عملهم؟!

هل يُلام من يقدّم النصح والتوجيه؟!

هل يجب أن يطبّق الكاتب ما يقوله ويكتبه كلّه؟، حتّى فيما يخصّ الشأن العامّ في المجال السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والحضاريّ؟! وهل يتأتّى له ذلك فيما لو أراد ذلك؟!

من المؤكّد أنّ الجمع بين التطبيق والتنظير أفضل، لكنّ الحقّ ينبغي أن يقال، وهو أنّ الجمع بين التنظير الدائم والحركة والتنفيذ، أمر لا يتيسّر إلا للنوادر من الرجال.

بل أزعم أنّه من المؤكّد أنّ جانباً سيتغلّب على جانب، عند من يجمع بين الحركة والتنظير، إمّا أن تغلب الحركةُ التنظيرَ، أو يغلب التنظيرُ الحركةَ، وهذا من الضعف البشريّ، فالكمال لله وحده، وحتّى يبقى بعضُنا يحتاج بعضاً، ولا نستغني، ففوق كلّ ذي علم عليم.

الحقيقة أنّ مَهمّة العالم والكاتب والمثقّف والمنظّر أن يقدّم أفكاراً وحلولاً، فينقد ما يراه منكراً أو خطأً أو قاصراً، حتّى إنّه قد ينقد الحسن لنفعل الأحسن، وينقد الصحيح لنفعل الأصحّ، وينقد الجيّد لنحرص على الأَجود، وينقد المناسب ويرشدنا للأنسب.

إذ يفترض أنّنا نطمح للتطوُّر والتميّز في عالَم يتنافس بالجَودة وفق أدقّ المعايير.

العالم يتنافس اليوم في امتلاك المعرفة والمعلومات والتقنيّة، وكلّها نتاج المنظّرين والعلماء والمفكّرين والمخترعين، سواء في الجانب التطبيقيّ المادّيّ أو في المجال الاجتماعيّ الإنسانيّ.

ونحن عندنا شحٌّ في المفكّرين والعلماء والباحثين، إلّا إذا اعتبرنا كلّ من يتكلّم وينقُد -ويهرف بما لا يعرف من عامّة الناس- منظّراً!

من مظاهر تخلّفنا نفورُنا من التخطيط والتنظير والتفكير والنقد، واندفاعنا للتنفيذ والحركة والعمل، فكم من أعمال ومشاريع انطلقت دون تفكير ودراسة وتخطيط كافٍ، فكانت النتائج كارثيّة، وكم من تفكير عميق وخطط رائعة لم تتحوّل إلى عمل وتنفيذ، فبقيت حبيسة الكتب والدراسات!

ومن مظاهر نفورنا من التنظير وصف (الفكر بالبرود) فنقول: (فكر بارد).

وهنا ملاحظة مهمّة ينبغي الانتباه إليها، وهي أنّ المفكّر ينبغي أن يميّز بين معرفة هموم الواقع وحاجاته، وبين أن ينغمس في العمل والتطبيق.

فعليه أن يبتعد عن الانغماس بالتنفيذ والعمل والحركة، فالواقع له تغيّرات ومشكلات وضغوطات، وإلّا عاش حال (طوارئ التنفيذ) فيتشوّش ولا يعود قادراً على الإبداع والتفكير الحرّ، وتصبح أفكاره تحت ضغط الواقع، فينقلب إلى ميدانيّ تنفيذيّ تستغرقه التفاصيل، وإطفاء الحرائق.

وهنا لا بدّ من أن يوازن بين رفرفة الفكر الاستراتيجيّ التنظيريّ، وواقعيّة الفكر التكتيكيّ التنفيذيّ.

ففي المعارك الكبرى يتركون القيادة العليا بعيدة عن ساحة المعركة، يحفظونها في مكان آمن، حتّى يفكّروا للمعركة بعيداً عن ضغطها.

ومن عجائبنا أنّنا نندب حظّنا، ونشكو قلّة مراكز البحث والتفكير، ثمّ نلوم من يتفرّغ ويكدّ في البحث والتنقيب والتفكير، وينتج لنا بحوثاً وكتباً رصينة..

فيندفع أحدهم وينعتها بالمعرفة الباردة..

وننسى أو نتناسى أنّ أصل كلّ حركةٍ ومشروعٍ وعملٍ فكرةٌ، فـ “وراء كلّ مشروع عظيم.. فكرةٌ عظيمة”.

وكثيراً ما تبقى كتابات بعض العلماء مهجورة غير منتفَع بها، وبخاصّة إذا كانت سابقة لزمانها، فالوعي بها يكون ضعيفاً في زمان كاتبها، ثمّ يأتي أوانها، وتعرف الأمَّة قيمتها، ومدى الحاجة إليها، فتقبل عليها، وتنتفع بها أشدّ الانتفاع، بل إنّ بعض الحركيّين يستفيدون من كتابات المنظّرين، ولا يعلنون ذلك!

قد يقول قائل: لكنّ الكُتّاب والمنظّرين عندنا كثيرون، فما أكثر المنظّرين عندنا، وما أقلّ العاملين!

فنقول: هذا الكلام غير دقيق، فكثيراً ما تعترضنا مشكلات وعقبات وتحدّيات تحتاج إلى منظّرين، يقدّمون فيها حلولاً فتكاد لا تجد أحداً، -دعك من الثرثارين ممّن يهرفون بما لا يعرفون- ممّن لو طبّقتَ كلامهم لازداد الأمر سوءاً.

ثمّ إنّ إحصاءات إنتاج الكتب وطباعتها وقراءتها في عالمنا العربيّ تشير إلى أنّنا في ذيل أمم الأرض، هذا من حيث الكمّ.

أمّا من حيث النوع فحدّث عن البحر ولا حرج، فالتكرار يكاد يكون السمة العامّة للكتب، كأنّنا تعاهدنا ألا يخالفَ بعضُنا بعضاً في أفكارنا وأطروحاتنا.

إذن لا يقلّل قدر العلماء والمفكّرين والمنظّرين إلّا مخطئ، ها هي الحكومات المستبدّة تتعامل بحزم مع كلّ صاحب قلم حرّ، لأنّها تعرف (قوّة تأثير الكلمة) ويعرفون أثر الفكر في التغيير.

بصراحة: الذي نحتاجه حقّاً هو: تلاحم العلم مع العمل، والمنظّرين مع الفاعلين، والمختبَر مع المصنَع، والمهندس مع المنفّذ، فينطلق العمل من عقول العلماء والمفكّرين إلى أرض الميدان، ويعود الحركيّون دائماً إلى العلماء والمفكّرين بنتائج أعمالهم ليعدّل العلماء والمفكرون المسار ويصوّبوا ويصحّحوا ويطوّروا، فيحصل الإبداع والتميّز، فلا بدّ من تحالف أُولي الأيدي مع أولي الأبصار.


[i] هذا المقال مقتبس من كتاب بصراحة

تحت عنوان فقيه أم مفكّر؟




النقد: مرآة الإبداع ومفتاح النهضة

ما هي حاجتنا للنقد؟[i]

• النقد كالدواء… مرٌّ، لكنّه مهمّ في التقويم والتصويب.

• والناجحون دائماً يطلبون من يرشدهم للخلل، وكذلك الأمم المتطوّرة تفرح بالكتابات الناقدة النوعيّة، حتّى إنّ الشركات الكبرى تموّل أبحاثاً لنقدها وذلك لتطوير منتجاتها وخدماتها وأدائها.

• بل أضحى للتفكير الناقد كتبٌ ودورات تقوم بها المؤسّسات والمنظّمات، وتحرص في اجتماعاتها على تمثيل الفكر الناقد، وذلك لأجل الانتباه للأخطاء والمخاطر والعيوب ونقاط الضعف في القرارات، وحرصاً على التطوير والإبداع، فلا يمكن إبداع جديد ما لم نشعر بقصور القديم، وبالتالي نقوم بالبحث والتنقيب والتفكير بحلول جديدة.

• فالتطوير والتقدّم مدينٌ للنقد، فلولاه لما عرفنا خطأ السابق، أو قصوره على الأقلّ، ولم نشعر بالحاجة لشيء أكثر صلاحيّة وتطوّراً، فالنقد بداية الإبداع، فلا بدّ من نقد السابق لنفكّر بإبداع الجديد.

• والمطلوب مرآة صقيلة مستوية، ترينا صورتنا على حقيقتها، لا المقعّرة التي تضخّمنا، ولا المحدّبة التي تصغّرنا.

• ولكن أليس بعض النقد هدّاماً؟ وبعضه جلداً للذات؟ وبعضه هدّاماً للرموز؟ وبعضه تشويهاً للتاريخ؟

• هنا يجب أن نميّز بين المندسّين المغرضين الهدّامين المعادين للمشروع الإسلاميّ، وبين الناقدين الناصحين الصادقين المنتمين للتيّار الإسلاميّ، الذين همّهم النصح والإصلاح والتطوير والتصحيح، فلا يدفعنا حبّنا وانتماؤنا وولاؤنا للتنظيمات والجماعات، وحماستنا لأفكارنا أن نضع الجميع في سلّ واحد.

• فهل كلّ ناقد كاره لمن ينقدهم؟ أو ضالّ أو مخطئ؟ أو يريد الشهرة والصعود على أكتاف المنقود، أو صاحب مصلحة أو مدفوعٌ له؟!

• علينا سماع المخالفين والنقّاد، بل البحث عنهم وعن أطروحاتهم، حتّى نطّلع عليها، ونقارن بينها وبين أفكارنا وسلوكنا، فنأخذ ما نراه صواباً، ونترك مالا نراه مناسباً.

• لأنّ المحبّ والمنتمي عادة لا ينتبه للأخطاء، لانغماسه بالعمل والتنفيذ، أو لشدّة حبّه وولائه، بينما من نصنّفهم (ناقدين متحاملين) فإنّهم كثيراً ما ينتقدون أشياء تستحقّ الانتقاد.

• ينبغي ألّا نتعامل مع كلّ فكرة مخالفة، أو نقد على أنّه (طعن) و(شبهات) ينبغي الردّ عليها، فنكون نتلقّى الكلام دون استماع، ولا فهم ولا تعقّل، بل نتلقّاه بألسنتنا لنردّ عليه كما عبّر القرآن الكريم:

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ)،

بدل أن نتلقّاه بآذاننا لنعيه ونفهمه، ولا نتركه يمرّ على عقولنا، فلعلّ النقد صواب! ولعلّ الحقّ معه.

• إخواني: النقد والحوار ينفع مع من كان ولاؤه للإسلام أكبر من ولائه للفكرة أو الحركة أو التنظيم.

• النقد والحوار ينفع مع من يرى حزبه وجماعته ومذهبه الفكريّ أو الفقهيّ أو العقديّ أو السلوكيّ يراهم جزءاً من المسلمين، وليس الممثل الحصريّ للإسلام!

• أمّا من يرى تطابقاً بين فكره والإسلام، فلا ينفع معه النقاش، فهو ينطلق في نقاشه من كونه الممثّل الحصريّ للإسلام، فأيّ نقد لفكره يعني عنده نقداً للإسلام!

• وعلى كلّ حال.. فليس الحلّ مع الناقدين بنصب محاكم التفتيش والإقصاء، وتراشق التهم والألقاب والدخول بالنّيّات.

• كما أنّ السخرية والاستهزاء والتسخيف والاستخفاف بالناقدين ليس حلّاً، لأنّه يوغر الصدور، ويجافي بين القلوب، ويفرّق الصفّ، وقد يحوّل المنتقِد من مجرّد منتقد إلى عدوٍّ حقيقيّ.


[i] هذا المقال مقتبس من كتاب بصراحة
تحت عنوان: بين النقد والهدم  




التفكير بين القيود والانطلاق: فهم أخطائه وتقويته

أسباب أخطاء التفكير[1]

لماذا نقع في أخطاء التفكير؟

  • العقل محدود، ويتأثر بالمعلومات الخاطئة أو غير الدقيقة أو القديمة، كما أنه قد يرتكب أخطاء في التحليل والاستنتاج.

  • التفكير قد يؤدي إلى رأي صائب أو خاطئ، مثل الماء الذي ينبت أعشابًا ضارة أحيانًا.

  • رغم أن العقل أوجد حلولًا ومخترعات رائعة، إلا أنه تسبب في مشاكل خطيرة، مثل:

    • التلوث البيئي.

    • مخاطر أسلحة الدمار الشامل.

    • هيمنة التقنية والذكاء الصناعي وخروجهما عن سيطرة الإنسان.


  • العقل ليس معصومًا عن الخطأ، خاصة عندما ينقطع عن تعاليم السماء، مما يؤدي إلى انفتاح غير منضبط على الشهوات والغرائز.

عوامل أخرى تؤدي إلى أخطاء التفكير

  1. ضعف الإمكانات الذهنية، مثل الخيال والذاكرة والقدرة على التحليل والتركيب.
  2. تفاوت القدرات العقلية بين الأفراد.
  3. بعض المشكلات قد تكون أكبر من قدرة شخص واحد، مما يستدعي العمل الجماعي والتخصصات المتعددة.
  4. يمكن تحسين التفكير عبر التدريب والقراءة حول مناهج التفكير وأخطائه.

هل يمكن تقوية التفكير؟

التفكير نوعان

  • التفكير الاعتيادي: تلقائي وروتيني بسبب تكرار الأعمال، حيث يحوّل العقل المهام المتكررة إلى عمليات لا واعية، مثل قيادة السيارة أو الكتابة.

  • التفكير المدروس والمركّز: يتطلب جهدًا ووعيًا، وهو ما يُعرف بـ “فعل التفكير” وليس مجرد “ردّ الفعل”.

معوقات تحسين التفكير

  • الرضا عن مستوى التفكير وعدم الشعور بالحاجة إلى تحسينه.

  • أنظمتنا التعليمية تعتمد غالبًا على مهارات التفكير المتدنية (التذكر، الفهم، التطبيق) بدلًا من المهارات العليا (التحليل، التركيب، التقويم، الإبداع).

  • الخبراء التربويون لاحظوا أن الامتحانات تركز على اختبار الذاكرة وليس مهارات التفكير.

العقل كـ”عضلة التفكير

  • التفكير مهارة يمكن تطويرها، مثل المهارات اللغوية والحسابية.

  • الذكاء فطري لكنه ينمو بالتعلم والممارسة.

  • أبو حنيفة رحمه الله قال لأحد تلاميذه بعدما نضج فكره: جئتنا عادياً فأنضجتك الصُّحبة.

  • كان أسلوبه في التدريس يعتمد على النقاش والجدل، مما يعزز مهارات التفكير.

أهمية تعزيز التفكير الإبداعي

الدعوات لتنمية التفكير الإبداعي

  • ينادي إدوارد دي بونو بجعل التفكير الإبداعي ثقافة مجتمعية.

  • بعض الدول خصصت وزارات مثل وزارة تنمية الذكاء في فنزويلا.

  • الجامعات الحديثة بدأت بتدريس مهارات التفكير، بينما علماؤنا القدماء كانوا يدرّسون المنطق لحماية التفكير من الأخطاء.

التفكير كأولوية كبرى

  • المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

  • التفكير فريضة إسلامية، كما أشار العقاد في كتابه التفكير فريضة إسلامية.

  • طاقات العقول تكاد تكون مشلولة بسبب التقليد والجمود والخوف من النقد والإبداع.

عوائق التفكير الإبداعي في مجتمعاتنا

أمثلة على العبارات المثبطة

  • “وهل أنت أفهم منهم؟!”

  • “لو كان هذا الأمر ممكنًا، لفعله ألف شخص قبلك!”

  • “حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس.”

  • “انظر ماذا يفعل الناس وافعل مثلهم.”

  • “أنت تحبّ المخالفة!”

  • رغم أن الوضع أصبح أفضل من السابق، إلا أننا بحاجة مستمرة إلى التطوير.

  • القرآن يدعونا دائمًا إلى الأحسن قولًا وسماعًا واتباعًا وفعلًا وحوارًا، كما في الآيات:

    • (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

    • (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)

    • (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

    • (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

    • تحسين التفكير يقلل الأخطاء


  • التحسن مطلوب دائمًا

  • لا يمكن تحقيق المثالية لأن العقول والمقدرات البشرية محدودة.
  • لكن هناك فرق بين أن تكون نسبة الصواب 30% والأخطاء 70%، وبين أن تصبح نسبة الصواب 95% والأخطاء 5%.
  • هذا الفرق هو ما يميز الشخص الناجح عن الفاشل، والشركة الناجحة عن الفاشلة، والمجتمع المتقدم عن المتخلف.

التفكير هو أقوى موارد البشرية في عصرنا

  • ما يولّده التفكير من أفكار وابتكارات وعلوم هو القوة الحقيقية لأي أمة.

[1] هذه المقالة جزء من مقدمة كتاب أخطاء التفكير




التفكير والتفلسف: رحلة العقل بين التأمل والابتكار

التفكير والتفلسف

  1. تعريف التفكير

    • التفكير هو إعمال العقل وتشغيله في الموجودات للوصول إلى المطلوب المجهول.
    • الرأي الذي يصل له العقل بعد التفكير هو المطلوب، مثل: نتيجة أو تحليل أو تركيب أو تطبيق أو تقويم أو تصحيح أو نقد (إيجابيات وسلبيات) أو الوصول إلى فكرة إبداعية.
    • المقصود بالتفكير هو التعمّق والتأمّل وتقليب الموضوع المفكَّر فيه على وجوهه والنظر في منشئه وأسبابه وأحواله ومآلاته، وليس التفكير السطحي السريع الذي لا يبذل فيه المرء جهدًا ولا يتريّث في إصدار النتيجة.

  2. قول ابن القيم في التفكير
    يقول ابن القيم ؒ:
    “الرأي ما يراه القلب بعد فكر وتأمّل وطلب لمعرفة وجه الصواب”.
  3. التفلسف كنوع راقٍ من التفكير

    • من عوامل انتشار الأخطاء في التفكير في مجتمعاتنا جفول الوعي الإسلامي السنّي عن الفلسفة في وقت مبكر.
    • يُفهم من كتاب “تهافت الفلاسفة” لحجة الإسلام الغزاليؒ أنه يحرّم الفلسفة كلّها، ولكن في الحقيقة، نقد الغزالي نوعًا معينًا من الفلسفة، وهي الفلسفة المادية التي تنكر ثوابت الدين، ولم ينكر المنهج الفلسفي في التفكير.
    • المنهج الفلسفي في التفكير يعني: التعمّق في التفكير، وعدم قبول المعرفة دون شكٍّ منهجي، بحيث تثبت المعرفة بعده على الحجج والبراهين وليس بالتقليد والتسليم التلقائي.

  4. تعريف التفلسف

    • التفلسف بمعنى: “التعمّق في المعاني والتجريد والربط بين المفاهيم لإنشاء النظريات”، وهو أمر لا يمكن للإنسان أن يتحضّر ويتقدّم بدونه.
    • علماؤنا مارسوا الفلسفة ولم تنقطع؛ فالغزالي، وكل علماء العقيدة الذين نافحوا عن تعاليم الدين، تفلسفوا حينما دافعوا، بما فيهم الغزالي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم رخمهم الله.

  5. أنواع الفلسفة
    الفلسفة تُطلق على شيئين:

    • المباحث الفلسفية والنظريات الفلسفية والآراء الفلسفية.
    • المنهج والطريقة الفلسفية للوصول إلى الآراء والنظريات الفلسفية.
    • النوع الأول (المُنتَج الفلسفي) قد تتفق معه وقد تختلف، أما النوع الثاني (المنهج)، فالمفروض أن يكون مقبولًا ومطلوبًا.

  6. مجالات الفلسفة

    • الفلسفة لا تقتصر على المباحث الثلاثة المعروفة (الوجود، المعرفة، القيم)، بل تناولت كل شيء في الحياة بتعمّق.
    • التفلسف يشمل كل العلوم، فمن يتحدث بنظريات العلوم أو بالنظريات في علم من العلوم أو بالكليات في باب من الأبواب، فهو يقوم بفعل فلسفيّ.
    • كل تجريد للمعاني، وكل ربط بينها، وكل إنشاء لنظرية أو حكم عقلي تحليلي أو تركيبي أو تقويمي، أو تقديم فهم آخر، هو فعل فلسفيّ.
    • الفلسفة بهذا المعنى (التعمّق في التفكير وعدم الاكتفاء بالظواهر) لا لغة لها، ولا زمان، ولا مكان، ولا دين، ولا علم محدّد.




أخطاء التفكير

حاجة الإنسان إلى التفكير وإعمال العقل لا تقلّ عن حاجته إلى الطعام والشراب، فالتفكير حالة تلازم الإنسان بدأً من أصغر الأشياء وانتهاء بأعقدها.

والسباق اليوم بين الدول بات سباقاً فكرياً بامتياز، وباتت الأمة التي تستطيع تنظيم أفكارها وعلومها وتطويرها واستثمار هذه العلوم بما يخدم الشعب مادياً ومعنوياً هي الأمم الأكثر تقدّماً.

والمسلمون اليوم بأمس الحاجة إلى الاهتمام الدائم بالعقل والفكر ونتائجه، لأنهم أمة (اقرأ) وأمة (يتفكرون).

فكثيراً ما يتمّ التركيز في الخطاب الديني على الاهتمام بالأخلاق والالتزام السلوكي بتعاليم الدين والاهتمام بالروح، ولا يُعطى الاهتمام بالعقل المكانة التي يستحقها، ولا الاهتمام باستثمار هذه النعمة الكبرى التي ميّز الله بها الإنسان عن سائر الكائنات الاهتمام الذي يليق بمكانته.

 فالذي أعتقده أنّ العقل هو ما فضّل الله به الإنسان على سائر المخلوقات، ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))(الإسراء:70).

فالعقل وما يتضمنه من حرية الاختيار وما يقتضيه من التكليف وما ينتج عنه من الحساب هو (الأمانة) التي عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أنْ يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان.

فاختراعات العقل واكتشافاته ومنجزاته شيء يستحق التقدير.. فسبحان من خلق الإنسان في أحسن تقويم..

لماذا هذا العنوان: أخطاء التفكير؟

وكيف تكون من أسباب تخلّفنا وتعيق النهوض في مجتمعاتنا وبلداننا؟

  1. لأنّ كل مشروع مبدع وراءه فكرة مبدعة، وكل مشروع فاشل وراءه أفكار فاشلة، أو إدارة فاشلة!
  2. التفكير يؤثّر على السلوك والعواطف والكلام والقرارات والآراء والقبول والرفض..
  3. حتى نصل لأفكار سليمة لا بدّ من اعتماد طريقة تفكير سليمة وتجنّب أخطاء التفكير،

فأخطاء التفكير مثل الفيروسات التي تعشعش في برنامج تشغيل الحاسوب، فتعيق حركته وانسيابيته، وقد تؤدّي لشلله وتعطّل عمله!

 وكذلك أخطاء التفكير تعيق عمليات التفكير في عقولنا، وتحرف تفكيرنا عن المسار الصحيح وقد توردنا المهالك! وبعضها يشلّ فاعلية صاحبها! كما سيظهر جلياً عند الاطلاع عليها.

فأخطاء التفكير من أهم أسباب تخلفنا، لذلك تجد أنماطاً مخطئة للتفكير تسود في البيئات المتخلّفة، بينما تنتشر منظومات فكرية غيرها في البيئات المتقدمة، حتى على صعيد الأفراد، فطريقة تفكير الناجحين مختلفة عن طريقة تفكير الفاشلين!

وكنت كلّما ناقشت معضلة ما مع أستاذي الكبير الدكتور عبد الكريم بكّار حفظه الله كثيراً ما يؤكّد على أهمية طرائق التفكير ومنهجيته السليمة وأنها من أهم المهمات ومن أَولى الأولويات الجديرة باهتمام المصلحين.

 هل هي أخطاء في التفكير أم أخطاء في التعبير؟

الحقيقة هي أخطاء في التفكير، فالتعبير ما هو إلا أداة لتوصيل المعاني والنتائج والأفكار التي نعتنقها.. لذلك عرّف المناطقة الإنسان بأنه (حيوان ناطق) أي مفكّر..

لذلك لو تكلم إنسان أمامنا بأفكار نراها خاطئة، نقول له: ما هذا الكلام؟!! أنت كيف تفكّر؟!!

لماذا التركيز على أخطاء التفكير:

لأنها سنة سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) ([1])

ولأن التخلية قبل التحلية، ولأن التنبيه على أخطاء التفكير تقع تحت الأمر بالمعروف والنهي بشكل أو بآخر، ولأن تلك الأخطاء تفسد الصواب وتعكّر التفكير، كما أنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح فالانتباه لطرائق التفكير الخاطئة مقدّم على التركيز على طرائق التفكير السليمة..

ولأن كلّ قراراتنا بناء على العقل.. وحتى نرشّد العقل.. ونحسّن تفكيرنا..

ولكثرة المعلومات التي نغرق بها عبر وسائل التواصل والكتابات والفيديوهات في أيامنا، فلا بدّ من منهجيات ومهارات تفكير حتى نُحسن التعامل معها، ولترشيد حواراتنا وجدلنا ونقاشاتنا..

ولو تأمل نقاشاتنا الأسرية وفي العمل وبين الأصدقاء وعلى وسائل التواصل وحواراتنا في وسائل الإعلام.. عند الاختلاف نتهم بعضنا بدلاً من مناقشة الفكرة! دائماً مختلفين ونكاد لا نتفق على شيء، والحقيقة أنّ المشكلة بطريقة تفكيرنا!  فلا يوجد عندنا لغة مشتركة تعبّر عن عيوب وأخطاء تفكيرنا..


([1]) رواه البخاري ومسلم.

هذا المقال مقدمة كتاب “أخطاء التفكير”، ويمكنكم تحميله مجانًا من خلال قسم الكتب.




ليسوا متحضّرين (الغرب)!!   

الكِبْرُ والعِناد كما أنهما يؤديان للكفر، كذلك يؤديان للتخلّف، عبر بَطَرِ الحقِّ وغَمْطِ الناسِ.. أي التكبر عن قبول الحق، والتعالي على الناس.

لأننا نزعم تقدّماً على المتقدمين، ونسلبهم لقب حضارة، ونزعم أنهم متمدّنون فقط، وعند التحقيق لا فرق بين المدنية والحضارة، فالمدنية من المدينة، والتحضّر من الحَضَر، وهما مظنّة التطوّر والتقدّم.
صدق الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]

(((( لننزِل للواقع قليلاً !! ))))

الكِبْرُ والعِناد كما أنهما يؤديان للكفر، كذلك يؤديان للتخلّف، عبر بَطَرِ الحقِّ وغَمْطِ الناسِ..

لأننا نزعم تقدّماً على المتقدمين، ونسلبهم لقب حضارة، ونزعم أنهم متمدّنون فقط، وعند التحقيق لا فرق بينهما فالمدنية من المدينة، والتحضّر من الحَضَر، وهما مظنّة التطوّر التقدّم.

الآن سينبري لي بعضهم ويبدأ يدلل على تخلّف الغرب ببعض الحوادث والوقائع.. ويقول: (مفتون بالغرب)، وأقول: الحكمة ضالة المؤمن، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]

لا أقول: الغرب معصومون عن الخطأ، لكنهم كشعوب وبلاد، سياساتهم الداخلية رائعة، ليتنا نتمتع بربعها..

أما حُكّامها وسياساتهم الخارجية فهي مصالح ومصالح فقط..




لا للاستبداد !!   باسم الدين (الإسلاميون)

ينبغي ألا نقبل باستبدال طاغية ومستبِد بمستبِد آخر.. ولو كان الثاني يحكمُنا باسم الدين..
ففساد الثاني أكبر لأنه ينظر لمن يخالفه أنه يخالف الدين..
وينسى أنه مجتَهِد في الاقتراب من الديِّن.. وأنه ليس الدين نفسه..




الخطاب الإسلامي مع ( الذوق العام الراغب بالحرية )

يجب أن نعي واقعنا ونعرف الثقافة الرائجة فنحن في زمن الاستضعاف وسيطرة الفكر النازع نحو توسيع هامش الحريات الشخصية ..
وفي واقع انتشر فيه التحرر من سلطان الدين لأسباب كثيرة منها: الخطاب الإسلامي التقليدي، وبسبب ممارسة بعض الإسلاميين الهيمنة والسيطرة والاستعلاء على الناس دون أي احترام لإنسانيتهم..
مما يحتم علينا خطابا إسلامياً ملؤه الحكمة واللين واحترام الإنسان.. يجب ان نعي هذه المعادلة ونطور أساليب بما يتماشى مع الذوق العام السائد، طبعاً بما لا يتعارض مع قيمنا، فالثبات ينبغي أن يكون على المبادئ والأصول، والمرونة في الوسائل والآليات




مهام الدولة !المعاصرة،   وفرض الدين

1- حماية الحدود الخارجية بالجيش.
2-
حراسة الامن الداخلي بالشرطة.
3-
تفصل النزاع بين المواطنين بالقضاء.
4-
تحقيق ضرورات العيش.
أما فرض الدين والتديّن على الناس فليس من مهام الدولة، لأن الدين لله {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] ويكرَهُ الإسلامُ النفاقَ: 
فالدولة تحمي الدين وترعاه ولا تفرضه فرضاً حتى لا ينفر الناس..
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22]
{ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66]
{وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء: 80]
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]




نعم للنقد ولا للسخرية!!

فرق بين من ينقد الفكرةَ وبين من يسخر من صاحبِها.. أحبّ مَنْ يعرض رأيَه لا من يفرضُه.. ومن يناقش الفكرة لا من يتهجّم على صاحبها..