قصة الديك مع (فقه الضرورات)

تتداول المواقعُ الإلكترونية قصةَ ديك مفادها: أن ديكاً طلب منه صاحبُه تركَ الأذان فجراً وإلا ذبحه.. فتركه مسوّغاً ومبرراً ذلك بفقه: (الضرورات تبيح المحظورات) وأن غيره يقوم بهذه المهمة ومن السياسة الشرعية الإبقاء على نفسي..

وبعد مدة طلب منه تقليد صوت الدجاج.. وإلا ذبحه.. فقلد صوت الدجاج.. وبعدها طلب منه أن يبيض وإلا ذبحه..
فقال الديك: ليتني ذُبِحْتُ وأنا أؤذن ولم أقدّم هذه التنازلات.. متعللاً بفقه الضرورات..

ويخلص كاتب القصة إلى أنّ التنازلات آخرها سيئ جداً والأَولى الصلابة على المبادئ وعدم تقديم التنازلات!!

****
لاشك أن هذه القصة لا تخلو من فائدة.. في تعاملاتنا الفردية اليومية والثبات على المبادئ وعدم بيع الدين لشيء من الدنيا رخيص.. فهي قصة رمزية تصلح لمن يقدِّم التنازلات لأتفه الأسباب دون داعٍ ودون حساب..

ولكن في تعميم هذه القصة على كل الأحوال خطرٌ كبير..

حيث أنها تنسف علم السياسة الشرعية وعلم الموازنات بين المصالح والمفاسد.. وفقه الحال والمآل..

ولا أريد أن أقول: إن هذه القصة تسخر من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة للقواعد الفقهية التي تؤكد فقه الضرورات والموازنات والمآلات..

وتَنْصُر هذه القصة منهج الغلاة والجامدين والمزاودين الذين يحلمون بهدم الواقع كله وإقامة واقع آخر كما يتخيلون!!

ومن العجيب أن الموازنة بين المصالح والمفاسد في الشأن الدنيوي الخاص يتعامل به العقلاءُ كلهم -في كل الدنيا- وبكفاءة عالية..

فإذا جاء بعض المتدينين لأمور الدين عطّلوا هذا المبدأ.. متصورين أنّ الدين مجموعة مبادئ جامدة.. لا تراعي ضرورةً ولا واقعاً ولا حاجةً ولا اعتبار له للمآلات ونتائج الأفعال!!

مع أن المتأمّل في السنة النبوية يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة كان يراعي التدرج ويراعي المصلحة حتى يصل لأهدافه ولا يتصلّب في مواقفه مادام الأمر فيه سعة.. فما خير عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً..

لكن المشكلة في الجامدين أنهم لا ثقافة لهم ولا خبرة بعلم الاجتماع البشري وسنن التغيير والإصلاح، فلا يمكن تنزيل أفكار إصلاحية على أرض الواقع، دون دراسة لذلك الواقع، فالمبادئ لا تنزل على فراغ، لأنك تتعامل مع بشر لهم رغبات وعواطف وعقول وإرادات حرة وحينما تريد إصلاحهم لا بد من التدرج معهم.. وإلا كان تغييرك للمظاهر دون الجواهر.. للأشكال دون الأشخاص.. وستوجِد مجتمعاً منافقاً لا مجتمعاً فاضلاً.. فالأديان جاءت لإصلاح الإنسان..




شكراً للتنمية البشرية  

من آفاتنا عدم التوازن الوعظي.. فمنهج القرآن الموازنة بين الترغيب والترهيب، بينما خطابنا الوعظي اتسم بتغليب الخوف على الرجاء، مما أدى إلى وسوسةٍ سلوكية، وفي كثير من الأحيان إلى القنوط واللامبالاة،على مبدأ: (أنا الغريق فما خوفي من البلل)، كما أنه أدى في حالات أخرى إلى السلبية واعتزال الشأن العام.
كقولهم: (حبُّ الظهور يقصم الظهور).. و(لا تدبّر لك أمراً فذوو التدبير هلكى).. صحيحٌ أن مثل هذه النصوص لها معانٍ تربوية جيدة، إذا استُعملت كدواء لصاحب داء تلزمه جرعة إخلاص، أو جرعة توكّل على الله!!
لكن أن تصبح هذه النصوص هي الغذاء لكلّ الناس.. فستحصل على مجتمع سلبي عاجز يائس

فمن الجريمة في حقّ مجتمعاتنا الإغراقُ في نوعٍ من الخطاب الانعزاليّ السلبيّ، وعدم شفعها بنصوصِ العمل والجدّ والإيجابية، فقد أدّى ذلك لعجز الصالحين، وفاعلية غيرهم.. الذي اشتكى منه سيدنا عمر رضي الله عنه: “أعوذ بالله من جَلَدِ الفاجر وعجز الثقة“!!

فقد تمَّ التعتيم على نصوص الرجاء وحسن الظن بالله والفاعلية والقوة والإقدام.. والواقعية.. تعتيم حتى على قصص السلف الصالح الواقعية، مثل: جاء رجل إلى أحد الصالحين فقال له: أخاف النفاق!!
فقال له: ألستَ تذكر الله في الخلوة؟ قال: بلى، قال: فأنتَ لستَ منافقاً.

ويروى أنّ رجلاً قال لأحد المحدّثين: هنيئاً لك كل هذا الحديث جمعتَه لله!
فقال -بواقعية وتواضع-: أما كلُّه لله فكثير؟! لكنْ هذا شيءٌ أحببناه فعملناه.. أسالُ اللهَ أن يغفر لنا به“.. هذه قصص واقعية قابلة للتطبيق.. بينما ينتقي الوعاظ قصص عن سلفنا الصالح أقرب للخيال كأنهم ملائكة لا يفترون عن العبادة والزهد!! فيقول المستمع في نفسه أين نحن من هؤلاء ويعود لحياته الطبيعية الواقعية.. ولو طلبنا منه المستطاع الواقعي لرحّب به وطبّقه..

ومن الخطاب الذي ترك ندوباً في نفس المستمع الخطاب الذي يدعو لقمع النفس وسحقها واتهامها وكسرها.. ومن أدبياتهمقولهم: الزيتون لا يحلو دون هرس… يا أخي هذه نفس بشرية وليست زيتوناً..  وكما ذكرتُ سابقا يمكن ان يكون هذا دواء لمن نفسُه فيها تكبّر وتعجرف وصل حدّا مرضياً فيلزمه الدواء.. لكن ان يصبح هذا الخطاب هو الغذاء للجميع فهذا سيؤدي لنفوس مكبوتة مسحوقة.. وإنسان مجتمعاتنا المقهورة لا ينقصه شيء من هذا..

ومن نِعَمِ الله تعالى أن وصلتنا ثقافة غربية جديدة، وانتشرت بيننا فأعادت شيئاً من التوازن إلى عموم شبابنا، وهي ثقافة التنمية البشرية والتحفيز والتخطيط وطُرُق النجاح والتفوّق في الحياة..
صحيحٌ أنّ الإكثار والمبالغة بهذا الجانب ربما أورث المتلقي تورّماً في تقدير الذات مبالَغاً فيه، فيعتقد الشاب نفسَه وحيدُ عصره وفريدُ دهره، وأنه سينجح بمجرد إرادته ذلك، دون الأخذ بأسبابِ النجاح.. والحلّ بالخطاب التشجيعي المحفّز المتوازِن… فشكراً للتنمية البشرية..




فقيه ومفكّر !!

هناك إعصار فكري يجتاح منطقتنا الإسلامية إعصار يحمل أدوات النقد والهدم، فما كان محظوراً الكلام فيه من قبل، أصبح حديث المجالس، لعدة أسباب منها ظهور الإعلام الاجتماعي الذي أتاح لكل أحد الكلام دون أي تكلفة أو رقابة.

 ومن أسباب ذلك: الثورات وظهور نماذج إسلامية تنظيمية وعلى شكل دول بل ظهرت الخلافة نفسها كما أعلن تنظيم الدولة.

ولم يعد الخطاب الديني التقليدي يجيب على الأسئلة الجديدة فسياسة عدم إثارة الفتن لم تعد تجدي، فالفتن فتحت أبوابها من كل جهة,

وعلى الخطاب الديني أن يتطور وذلك (شكلاً ومضموناً)، وهذا يستلزم نوعان من التخصص الديني.

أولهما: الفقيه المفتي.

 وثانيهما: الداعية المثقّف.

 لأن حاجات الناس إما لجواب سؤال فقهي، أو محاضرة فقهية، فيتوجهون للفقيه المفتي.

 وإما يحتاج الناس لسماع كلمة توجيهية إصلاحية، وإما لسؤال ثقافي، فيتوجهون للداعية المثقّف، فهما مجالان واضحان.

وأقترح أن يتسلّم الفقيه الإمامة في المسجد، ليحتكّ بالناس يومياً في الأوقات الخمسة، فيراجعه الناس بما يحتاجون.

بينما يتسلّم الخطيب التدريس في المدارس فيحتك بالطلاب على مدار الأسبوع، وخطب الجمعة، فيكون في كل مسجد شخصان: (فقيه مجتهد) وأقصد بالاجتهاد: الملكة الفقهية التي تؤهّل الفقيه للنظر في المسائل وأدلتها، واختيار ما يناسب الوقائع.

 والشخص الثاني: (الخطيب المثقّف) الذي يبني ثقافة راسخة تؤهّله لأن يصبح صاحب نظرة نقدية إصلاحية، ترتفع به لمقام الداعية المفكّر.

وكل تخصص من هذه تحتاج بناء علمياً يختلف عن الاختصاص الآخر، ويبقى الاثنان متفرغان لبناء نفسيهما علمياً وتطويرها طول عمرهما، وحضور الدورات وورشات العمل والمحاضرات، التي تضمن دوام نموّهما بما يكافئ التطوّر العلمي في كل مجلات الحياة.

فيكثر الفقيه من القراءة في الفقه المقارن والفتاوى المعاصرة، والمجلات الفقهية المتخصصة، ويطلع على قرارات ونقاشات المجامع الفقهية في القضايا المعاصرة، ويقرأ في المجال الذي يفتي به من العلوم الأخرى ويستشير المتخصصين حتى يفهم الواقع فـ(الحكم على المسألة فرع عن تصورها) كما يقول علماؤنا..

بينما يركّز الداعية المثقّف على تكوين ثقافة شاملة عبر قراءة في التيارات الفكرية المعاصرة والمذاهب العقدية والنظريات الإصلاحية النهضوية، وآخر الأطروحات الفكرية والفلسفية.

ومن المفيد هنا من أن يتخصص كل واحد منهما باختصاص دقيق عبر الدراسات العليا، (الماجستير والدكتوراه) وذلك ضمن خطة وتنسيق مسبَق مع زملائه حتى يغطوا أهم التخصصات في كل منطقة، ليلبوا الحاجات العلمية لمنطقتهم، ولا يكرروا بعضهم، ومن الجيد في هذا السياق أن يدرس المرء تخصصاً شرعياً وتخصصاً دنيوياً فيصبح مرجعاً شرعياً لأهل هذا التخصص العلمي فيدرس مثلا الطب والشريعة فيصبح مرجعاً في المسائل الطبية الشرعية وهكذا..

ولا يحقر أحدُهما اختصاص الآخر(أقصد الفقيه المفتي والداعية المثقف)، فهما يكملان بعضهما بعضاً، فبعد صلاة الجمعة –مثلاً- يجلسان سوياً للإجابة عن أسئلة الحاضرين، كلٌ حسب اختصاصه.

وخلال الأسبوع يحيل كلٌ منهما للآخر الأسئلةَ التي تتعلق باختصاصه، ولا يستحي أحدُهما من عدم الإجابة، بل نعوّد الناسَ على احترام التخصص، كما في كل شؤون الحياة.وهكذا يطير الدين وينتشر في المعمورة عبر هذَيْنِ الجناحينِ القويينِ: الفكرُ والفقه.




الحكم وهزّ الأكتاف

كثيرون منا عنده (شِرك الحُكْم) فيعتقد أن كل مشاكلنا ستنتهي باستلام (جماعتنا) والحقيقة الصادمة أن مشاكلنا الحقيقية ستبدأ وقتها!!

مشاكلنا ستبدأ عندما نستلم الحكم: لأن الحكم يحتاج دراسات وتخطيطاً وإدارة وكفاءات وموارد ووعي شعبي يساعد الحكومة.. 

بعضنا يظن النموذج الراشد لحكم الدولة المعاصرة جاهز مكتوب، وخططه التنفيذية تنتظر من ينقلها للتطبيق!!

كونُ إسلامنا العظيم شاملٌ في هدايته لكلّ مجالات الحياة شيءٌ، وقدرتُنا على تنزيله على أرض الواقع في كل مجالات الحياة) شيء آخر تماماً..

من الحقائق المؤلمة أننا إلى الآن لم ننجز (نظرياً) نظام حكم إسلامي قابل للتطبيق في الدولة المعاصرة!!

والأدهى من هذا أننا لا نعترف بذلك!!

وإذا قلنا لإخواننا: تعالوا نستورد أفضل ما عند القوم من أنظمة الحكم. (على الرغم أن الديمقراطية منتج إنساني وليس غربيا بحتاً) قالوا: عندنا ما يكفينا..

أرجوكم أخرجوه من (الموجود بالقوة) أي من (قابلية الوجود) إلى (الموجود بالفعل) أي (الوجود الحقيقي)..

 نعم نحن ننتسب لدين قابلٍ لإبداع أفضل النظريات، لكننا كُسالى، فالله تعالى أنزل لنا مبادئ هادية في نظام الحكم، لو أعملنا نظرنا فيها لاستخرجنا أفضل الأنظمة، لكننا نكسل عن الاجتهاد.. ونرفض التبعية.. كالفقير المتكبِر!!

كما أن عندنا مشكلة مع من يريد استيراد كلّ شيء من الغرب دون مراعاة لهوية المجتمع وثقافته وخصوصياته..

لكن حديثنا الآن حديث داخل البيت الإسلامي..

بعض الفضلاء يعتقد أنه بمجرد إعلان الحكم الإسلامي ستختفي الكثير من المشاكل.. هيهات هيهات.. الشعارات تدغدغ العواطف، ولا تغيّر الواقع البائس..

تغيير الواقع يحتاج برامج وخطط تعليمية وصحية وبيئية واجتماعية وسياسية واقتصادية..

 يحتاج إلى تنمية اقتصادية ومشاريع حيوية تنهض بالبلاد، وتُرضي العباد، فالناس تحتاج إلى من يرعى دنياها، ويؤمّن حاجاتها..

 وعصرنا ارتفعت فيه المعايير فالكماليات أضحت ضروريات.. ولو أخلّت بها الحكومة فهي تضرب مستقبلها في الاستمرار في حكم البلاد.

كما نحتاج لحُسْن إدارة الهويات المختلفة في المجتمع (العرقية والدينية والمذهبية) بما يكفل رضاها وفاعليتها ومشاركتها في إدارة البلاد، وعدم تهميشها مما يحولها إلى مصادر إزعاج وإعاقة وقلاقل وقنابل موقوتة ومعارضة خفية..




مقابلة مع الدكتور حذيفة عن الهوية

  1. ماذا يعني لك مصطلح الهوية وماهي أنواعها؟  مما تتكون؟ 

الهوية: هي مجموعة الصفات والسمات التي تميز مجتمع عن غيره.
أنواعها: الهوية عادة تطلق على هذه عناصر أولها:

دين المجتمع أو مجموعة الأديان

اللغة السائدة بهذا المجتمع

التاريخ المشترك

 الجغرافيا المشتركة

 العادات والتقاليد

 الرموز: مثل المقدسات في السعودية كالحرمين مثلاً: السيفين والنخلة رمز مقدس محترم جداً أو اشخاص أحيانا والإعلام التي تكون أحيانا مصدر فخر واعتزاز.

  • ما هي أكثر العوامل التي تبلور الهوية في العالم العربي؟ كيف ذلك؟

الهوية فيها شيء من المجتمع وفيها شيء صناعة، وعادة يتم التركيز على بعض الأشياء الموجودة في المجتمع والتركيز عليها وتعزيزها وتقويتها، بمعنى أن الهوية الناجحة تكون مشتقة من المجتمع نفسه، وليست غريبة عن المجتمع، وإلا ستصبح حالة تغريب ولا تنجح، مثلاً بعض العادات والتقاليد الصالحة يتم تعزيزها من خلال الإعلام والتعليم والتثقيف وهذه أهم وسائل تعزيز الهوية.

  • بحسب تجربتك في العالم العربي، من هي الجهات المعنية بمشروع تعزيز الهوية؟

عادة النخب المجتمعية المثقفة هي التي تقوم بتشكيل الهوية، هذه النخب أحيانا تكون نخب سياسية وبالتالي الدولة تتبنى صياغة الهوية الوطنية الجامعة التي تضعها نخب تتبناها الدولة، كذلك مؤسسات المجتمع المدني ايضاً تساعد وتساهم في صياغة الهوية، أحيانا يكون هناك صراع هوياتي في المجتمع وهذا يكون امر طبيعي حسب الأيديولوجية التي تتبناها الجماعات والمؤسسات فمثلاً وجود تيار ليبرالي في السعودية، وتيار إسلامي سلفي وهكذا.. وأحيانا الأفراد نفسهم يحافظون على هويتهم، كالقبائل فكل قبيلة تحافظ على هوياتها، والتدافع الهوياتي أمر طبيعي في المجتمع، لكن في هوية جامعة تعززها الدولة، بمؤسساتها التعليمية والتثقيفية والإعلامية.

  • حسب تجربتك في العالم العربي من هي الجهة المعنية بالهوية؟

الدولة والمؤسسات الثقافية والنخب الموجودة في المجتمع بشل عام.

  • ما هي درجة اهتمام تلك الجهات بمشروع الهوية؟ في حال كانت منخفضة لماذا؟

في كثير من الأحيان يكون هناك صراع أو تدافع أو تعزيز لهوية معينة دون معرفة للفاعل الاجتماعي، يعني مثلاً المشايخ والخطاب الديني يحافظ على الهوية الاسلامية للمجتمع، ولو سألناهم عن الهوية ربما لا يدركون أنهم يحافظون على كلمة هوية، يعني عدم الوعي بكلمة هوية وما هي دلالاتها لا يعني أنه لا توجد هوية للمجتمع أو أنه لا يوجد صراع هوياتي، لا بل هذا موجود، حتى أحياناً المجتمع البسيط يمارس تعزيز للهوية عبر الدفاع عن الأعراف والتقاليد والمواريث.

  • كيف تؤثر تلك الجهات على الهوية؟

الحكم على التأثير كونه سلبي أو إيجابي هذا أمر نسبي حسب الجهة التي تنظر، مثلاً اللادينيين والملحدين يرون أن المشايخ هم دعاة للرجعية والخرافة، لأن الدين عندهم يعتبر خرافة ومفرز اجتماعي بمعنى أنه متخلف، لكن بشكل عام إذا أردنا أن نتكلم عن الهوية الإسلامية العربية الوطنية الجامعة بمعناها الإيجابي فإنه يوجد أشخاص يعززوا هذه الهوية ويظهروها بشكل إيجابي وجميل، وهناك أشخاص يتحدثون عن تفتيت الهوية.

لا توجد مشكلة بأن تكون هناك هويات فرعية لكن ليست على حساب الهوية الجامعة، يعني عندما يكون هناك شخص ما له ولاء خارجي لدوله خارجية، أو ولاؤه لشيء كما يسميه البعض فوق الدولة وتحت الدولة، إذا كان يتعارض مع نفس مفهوم الدولة هنا تكمن المشكلة، أما كونه ينتمي لأمة إسلامية أو لمذهب معين، فلا توجد مشكلة لكن عندما يكون على حساب الهوية الوطنية الجامعة فهنا يكون الاشكال.

  • هل ترى بأن هناك تغيرات حدثت على الهوية المجتمعية في عالمنا العربي؟ في حال نعم، ما هي، يرجى الوصف؟

بالتأكيد، في تدافع كبير، بمعنى لو رجعنا إلى عناصر الهوية، الدين، اللغة …، فالدين في حالة تغريب، وهناك موجة إلحاد، موجة عدم تدين، هذا الأمر يؤثر على هوية المجتمع ، أو العكس أحيانا عندما جاءت الصحوة الإسلامية في السبعينات وانتشرت في العالم الإسلامي كله، كذلك هذا يعتبر تعزيز للهوية، اللغة نفس الشيء فانتشار العاميات والكتابة بالعامية أحياناً تؤثر، العادات والتقاليد هناك عادات طيبة جميلة فيها نوع من التراحم والتكافل المجتمعي والترابط الاسري بينما هي الآن أصبحت تنحسر وتتراجع وتتقهقر لحساب الفردانية والأنانية، فالهوية مثل الكائن الحي أحياناً تضعف، وأحياناً تقوى، فالهوية ليست ثابتة وإنما متغيرة.

  • ما هي مسببات هذه التغيرات؟

أهم الأسباب: الانفتاح الذي حصل عبر وسائل التواصل ووسائل التواصل والانترنت والفضائيات، كل ذلك جعل التفاعل كبير ولا تزال التوقعات المستقبلية بأن حالة العولمة تكتسح الجميع كاليوتيوب مثلاً، وحالياً يعتبر من أهم المعلمين والمؤثرين على الهوية، فاليوتيوب نقل لنا الكثير من العادات والتقاليد على سبيل المثال: الأزياء، أنماط المعيشة، من الشرق والغرب فربما في الأعوام القادمة ستكون الترجمة فورية ليس ذلك فحسب، وإنما ستكون دبلجة فورية. وبالتالي ينزاح لدينا حاجز اللغة وهذا سوف يفتح لنا أبواب كثيرة من التفاعل الثقافي بين المجتمعات، مثل قريش أفضل اللهجات من بين العربي لأنهم كانوا عند الكعبة المشرفة وبالتالي كانت كل قبائل العرب  تأتي إليهم وكانوا ينتقون من ألفاظهم أعذب الألفاظ وبالتالي تكون لهجتهم أعذب اللهجات ينتقون من المفردات كما ينتقون أطيب الطعام لذلك البشر سوف ينتقوا من بعضهم الخبرات والتجارب والعادات والتقاليد بهذا المجال يعني نمط العيش، أما اللغة والدين فما اعتقد يحدث فيهم تبديل والله أعلم.

  • كيف تحاول المجتمعات في ظل هذه الظروف أن تحافظ على هويتها بحيث ما يحدث عندها تشويه في أمور  جيدة من المجتمعات التي اخذت منها؟

يجب أن نميز عناصر الهوية بين الأشياء التي ينبغي أن نحافظ عليها وبين الأشياء المرنة، يعني اللغة مثلاً يفترض لنا أن نحافظ على لغتنا الأم، ولا يوجد مانع في تعلم لغة علم كاللغة الإنكليزية مثلاً، لكن إذا الإنكليزية على حساب العربية تكون هنا مشكلة، لأن هوية المجتمع في هذه الحالة تتغير ونحن كعرب ثقافتنا مرتبطة بكتاب مقدس وتراث كبير، لا يوجد أمة تحترم نفسها وتتخلى عن لغتها، وهكذا كل الأمم تدرس بلغتها  فهذا عنصر صلب يجب أن يكون لدينا عنصر الدين هو عنصر صلب لا يوجد فيه مساومة وعنصر العادات والتقاليد ونمط الحياة بما لا يتعارض بين اللغة والدين.

ألا تعتبر بأنها حالة طبيعية، ولماذا؟

طبعا فالهوية مثل الكائن الحي، فهي حالة متطورة متبدلة بشكل دائم، وجمود الهوية يعني أن المجتمع جامد، لا يتعلم ولا يختلط ولا يتطور، حتى تطور العلوم وارتفاع مستوى الوعي والثقافة يؤثر على الهوية، على سبيل المثال بمجال العادات والتقاليد ونمط الحياة، فنلاحظ اختلاف نمط حياة المتعلمين عن نمط حياة غير المتعلمين. وبالتالي، فالعلم يتطور والحياة تتطور وتكتشف أشياء جديدة، لكن لا ننسى أن الهوية يجب أن يكون فيها جانب صلب مثل اللغة والدين، يجب الحفاظ عليها، باقي الأمور سهلة مرنة ولا يوجد إشكال فيها.

  • بتصورك، هل ترى بأن هناك أزمة هوية (ضعف أو تراجع أو فراغ في الهوية) في العالم العربي؟

أزمة الهوية ليست أزمة عربية فقط، إنما كل الأمم تعاني من أزمة في الهوية وتشكو المحافظة على الهوية، فحالة العولمة الأمريكية على العالم كله لسنا نحن من يشتكي منها فحسب، وإنما الصينين والعالم بأكمله يشتكوا من عادات وتقاليد أمريكية غزتهم، بحكم هوليود وغزوها للعالم وامتلاك أمريكا للتقنيةـ، فحالة الأمركة (العولمة الأمريكية) كل الأمم تشكوا منها. لذا فالشكوى من عدم القدرة على المحافظة على الهوية ليست عربية فقط، وإنما كل الأمم تريد الحفاظ على هويتها، لكن الذكاء علينا أن نعرف أين نكون صلبين وأين نكون مرنين.

  • من هي الفئات التي ترى بأنها تعاني من أزمة هوية؟ لماذا؟

اعتقد فئة الشباب وصغار السن، لأن هؤلاء لديهم مرونة وقابلية للتغيير، بينما الكبار نوعاً ما، هويتهم ترسخت لديهم.

  • ما هي الأشياء/المؤثرات التي تسبب تلك الأزمة؟

حالة تغريب حكومي خصوصاً في بعض البلاد العربية، بمعنى أنه لا يوجد نمو طبيعي وإنما هناك تدخل وحالة تغريب مفتعلة وغير متدرجة وغير راشدة من وجهة نظري، فيمكن أن يكون تحديث وتحضر وتقدم المجتمع جيد، ولكن بطريقة واعية وعدم مهاجمة الهوية التي أقصد فيها القيم، والمبادئ، والأخلاق الإسلامية، والعربية.

  • ما هي الحلول التي تراها مناسبة لمعالجة هذه الأزمات؟

الحفاظ على الهوية هي مهمة المصلحين والدعاة والنخب المثقفة في المجتمع، لأن هؤلاء راشدين ويعلمون مواقف  الصلابة التي يجب أن يقفوا عليها ويعلمون أيضا مواقف الاقتباس والمشتركات البشرية أو نواحي التفوق التي يمكن  أن يتفاعلوا فيها ويقتبسونها من الأمم الأخرى، وأنا الآن أقوم ببحث، وقد وضعت 4 خطوات للاقتباس الراشد من الأمم الأخرى:

 1- نقتبس الشيء الذي نحتاجه فعلاً.

2- نفصل الأشياء التي نريد اقتباسها من فلسفتها المخالفة عن فلسفتنا ومبادئنا.

 3- وصلها بفلسفتنا فمثلا حقوق الانسان: فصل حقوق الإنسان لديهم عن فلسفتها المادية الملحدة، ووصل الإنسان بثقافتنا، حيث  توجد قيم حاكمة أخرى في الإسلام لتكريم الانسان، فالإنسان لا يختار جنسه بحريته أو بإرادته (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء)


 4- إحداث التغييرات اللازمة بمنظومتنا عندما نقتبس شيء مثل الدراسات العليا لم تكن موجودة بمجتمعاتنا نحن اقتبسناها لكن أبقينا المنظومة التعليمية عندنا منظومة تلقينية، حفظية غير قائمة على مناهج التفكير،  وبالتالي يأتي الطلاب على مرحلة الدراسات ونريد أن نقوم بنقلة نوعية بمعنى يجب أن تبدع، لكن لم يكن هناك تغييرات بالمنظومة التعليمية كاملة، فمن المفروض أن تدخل مهارات التفكير في كل مراحل المنظومة التعليمية منذ الروضة عندها ستيدع حتماً عندما يصل إلى الماجستير أو الدكتوراه، مختصر القول في هذه المرحلة: إحداث التغييرات اللازمة لما اقتبسناه.

  • كيف تصف تأثير الإعلام البديل على الهوية؟ إيجابي، سلبي؟ ولماذا؟

الإعلام الاجتماعي ساهم بشكل كبير في التفاعل الهوياتي، وقد حصل ما يسمى بالاتصال والمواصلات وجزء منه الإعلام الرقمي، أو الإعلام الاجتماعي، فهو حالة ووسيلة وأداة من أدوات الإعلام، هناك جزء منه هو السوشيال ميديا، وهو سلاح ذو حدين فهو يفرز الحالة الاجتماعية، وربما هي أدوات محايدة بحسب ما نحملها، لكن اعتقد أن تقييم الناس لها بأنها سلبية، وليس لدي إجابة قطعية فقد استخدمت للخير والشر.

ما هي أكثر وسائل الإعلام البديل تأثيراً؟

ليس لدي فكرة واضحة لكن اعتقد من وجهة نظري اليوتيوب يعتبر أكثر مؤثر لأنه يعتبر أكبر معلم جاء في التاريخ، حيث أصبح الاعتماد عليه بشكل كبير لاسيما في التعليم

  1. ما هي العوامل التي يمكن استخدامها كمعززات للهوية؟

الإعلام والتعليم أكبر اداتين لتعزيز الهوية وذلك من خلال خطة راشدة، وحالياً نحن بعصر الدولة الحديثة المتحكمة بكل شيء، والدولة الحديثة هي التي تستطيع صياغة المجتمعات وتثقيفها كما تريد.

  1. ما هي مقترحاتكم لضمان تمكن البلدان العربية من مجاراة التحولات العالمية مع مراعاة الحفاظ على الهوية المجتمعية؟

بعض الدل تتصرف بحس مسؤولية وذكاء عالي فهم يتعاملوا بذكاء شديد لترسيخ الهوية – مثل تركيا، مثل العلم التركي – الحس الوطني – الدين الإسلامي – حتى التاريخ هم بصدد إعادة صياغة التاريخ من خلال المسلسلات على سبيل المثال مسلسل ارطغرل – عثمان – السلطان عبد الحميد الى بعض المسلسلات المعاصرة، كله يعمل على خطة واضحة جدا  هي ترسيخ الهوية التركية والديانة الإسلامية.

  1. في حال أردت تأسيس مبادرة أو مشروع يعنى بتعزيز الهوية، كيف سيكون شكل هذا المشروع (شركة، جمعية، برنامج حكومي وطني، مؤسسة بحثية)؟ ولماذا؟

والله كل هذا يساهم ولا يكلف الله نفساً الا وسعها، الدولة عندما تستلم برنامج بالتأكيد سيكون الأمر أقوى لأن الدولة تتوفر لديها أدوات قد لا تتوفر في أي جمعية مهما كبرت هذه الجمعية، لكن إذا الدولة كانت تعمل بعكس التيار، هل نستسلم!؟، بالتأكيد لا، فإن استطعنا أن نكون جمعيات، نقابات، مؤسسات مجتمع مدني بأشكالها وأنواعها المختلفة فهذا طيب، وإن لم تستطع فعليك خاصة نفسك على الأقل وأهلك ومن حولك حسب المقدرة.

أي القطاعات سيعنى بها هذا المشروع (الإعلام، الثقافة والتراث، الدين، التعليم…)، ؟ ولماذا؟

كل هذه المؤسسات المعنية بترسيخ الهوية، وفاتنا نركز على شيء مهم هو التراث والآثار والتاريخ بآثاره بأماكنه الأثرية وبالتالي عندنا وزارة التعليم، وزارة الثقافة، وزارة الاعلام، السياحة كلهم فاعلات.

ما الذي سيركز عليه المشروع (تنفيذ برامج، تطوير سياسات وقوانين، نشر دراسات وأوراق بحثية، رعاية مبادرات…)؟

كل ما ذكرتيه مهم إن استطعنا نجمع لا يصار الى الترجيح الا عند تعذر الجمع والترجيح يكون حسب المقدرة، لكن اهم شيء الان ان ثقافتنا ثقافة بصرية بالدرجة الأولى، بمعنى الدراما تعتبر من اهم الأشياء، وخير دليل على ذلك الغزو الثقافي الأمريكي للعالم من خلال أفلام هوليود. ونلاحظ ان الهند أنشأت مدينة إعلامية اسمها بوليود وصارت تنتج أفلام هندية كي تحافظ على نفسها.

  • ما هي مصادر التمويل التي يمكن الاستفادة منها لدعم مشروع يعنى بالهوية (حكومية، قطاع خاص، جمعيات، رعاة وجمع عام…)؟ ولماذا هذه المصادر؟

الكل يتظافر لتعزيز الهوية لكن في السعودية مثلاً يمكن التركيز على الحكومة في الامور التي تقدمها بشكل جيد، في حين يمكن التركيز على مؤسسات المجتمع المدني في القضايا التي لا يمكن للدولة أن تقوم بها كالجمعيات الأهلية والشعبية والدعاة والمثقفين والصحفيين والمدرسين لسد الثغرات.

كيف ستضمن هذه المصادر نجاح واستدامة هذا المشروع؟

ببيان أهمية الحفاظ على الهوية، ممكن البعض لا يدرك أهمية الهوية، فقد يقول البعض أين المشكلة إذا صارت بلدنا مثل الدول الاوربية مثل باريس أو لندن …..، المشكلة أنك فقدت هويتك، فالحياة حلوة بتنوعها ولا يمكن أن تكون بلون واحد (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، جمال البشرية باختلافها وتنوعها، هذا التنوع والاختلاف، لا يمكن المحافظة عليه إذا لم تحافظ كل أمة على هويتها، وإلا إذا أردنا أن نستنسخ نموذج معين لماذا لا نستنسخ النموذج الأمريكي مثلاً بدلا من النموذج الياباني …

  • هل صادفت أية مشاريع أو مبادرات سابقة تعنى بالهوية (يرجى ذكرها أياً كان شكلها وصغر حجمها)؟ 

المؤسسات الدينية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص بكل أشكالها والدعاة وغيرهم، جميعها تحافظ على جزء أو عنصر من عناصر الهوية وهو الدين، ثم يأتي عنصر اللغة يحافظ على هذا العنصر المدرسين، المثقفين، الشعراء، والأدباء…… وهكذا باقي العناصر، فلكل عنصر هناك أناس قائمين عليه.

هل ترى بأنها كانت ناجحة؟ ولماذا؟

المحاولات لمسح الهوية العربية والإسلامية شديدة جدا كانت على زمن الاستعمار وبعدها المتغربين فلو لم تنجح تلك الجهود لما كانت الهوية موجودة الى الآن.

ما هي أكبر التحديات التي تواجه هذا النوع من المشاريع؟

أكبر التحديات هو التحدي السياسي، لما يتم اعتقال دعاة، او اغلاق جمعيات، باسم مكافحة الإرهاب، او بالشعارات الأخرى، اظن هذا أكبر تحدي.

ما هي أهم الجوانب التي كان يمكن تنفيذها بالشكل الأفضل في تلك المشاريع؟

الدراما هي أفضل الجوانب فالدراما ليست تسلية كما يعتقد البعض، لأنها أصبحت تثقيف، أصبحت أداة للحفاظ على الهوية، والدين، والمبادئ، والقيم.

  • هل توجد أية برامج وطنية عربية تعنى بالهوية؟ ما هي؟

  • نعم، أحيانا نعزز او نهاجم الهوية بشكل غير مباشر، وكما ذكرنا سابقاً أن مؤسسات الدعوة كلها تحافظ على الدين، مؤسسات اللغة كلها تحافظ على اللغة والثقافة والآثار والثقافة الوطنية، كل هذه برامج معنية بالهوية.

          كيف يمكن أن تفيد في مشروع الهوية؟

الدولة الحديثة هي المعنية بتغذية الهوية الوطنية الجامعة لكي تتميز عن غيرها، فمثلاً لماذا لدينا الجزائر ولدينا المغرب؟ لأنه يوجد هوية جزائرية وهوية مغربية، الدولة هي التي كرست ذلك، فالدولة لها دور كبير بتعزيز الهوية، كجزء من المحافظة على اعتزازها واستقلالها وإذا ما بنت هوية فإنها تتلاشى وتضيع.




الحلقة التمهيدية:

الحلقة الأولى:

تتوالى الأحداث والتغيرات من حولنا، وتسير الحياة بسرعة خيالية فيصعب على عقولنا إدراك كلّ ما يدور من حولنا، ونحتار في كيفية التفاعل مع متغيرات الحياة حتى ثوابتنا باتت في خطر، وأصبحت موضع تشكيك وتساؤل بعد أن كانت مُسلّمات ومرجعيات نحتكم إليها ونقيس الأمور وفقها، ففي كل يوم قضية جديدة يحوّلها العقل لإشكالية ويحاول فهمها من خلال ما يؤمن به، ومن هنا يبدأ البحث عن الحلول في البحوث والمؤلفات والكتب..

بعيداً عن الحلول المرتجلة، التي لا تغوص في عمق القضايا وتفهم أبعادها، فيقوم العلماء والمتخصصون بدراسة هذه الإشكاليات والتساؤلات ويتعبون في البحث والتفكير ثم يدوّنون خلاصة نتائج أبحاثهم التي فيها مفاتيح حلول المشاكل والتساؤلات في كتبهم طبعاً بحسب اجتهاداتهم ووجهات نظرهم.

وكثيراً ما ندخل المكتبات أو معارض الكتب فنصاب بالإحباط، لأننا نشتهي معرفة ما تحتويه هذه المكتبات من علوم ومعارف وأفكار، لكن ذلك يحتاج إلى مال قارون وعمر سيدنا نوح وصبر سيدنا أيوب (عليهم السلام) حتى تستطيع قراءة بعض ما يستهوينا من كتب ومواضيع فضلاً عن نحيط بما أنتجته البشرية من كتب وأفكار ومعلومات.. من هنا جاءت فكرة برنامج (خلاصة كتاب).

لماذا الكتب؟

للاستفادة من أهم ثمار العقول فالكاتب يكتب أهم مكتشفاته ومعلوماته وأفكاره، فالكتابة تنظّم الأفكار وترتّبها وتنضجها، كما أنّ الكتابة تظهر الأفكار على حقيقتها دون اغترار باكتمال ما لم يكتمل منها، فيما لو بقيت الفكرة بالرؤوس أو تمّ تداولها شفهياً فقط.. فأحياناً نحتاج إلى تقسيم المشكلة وتحليلها إلى أجزاء حتى نستطيع الإحاطة بها.. ومناقشة كل جزء على حِدة، وهذا يكون صعباً إذا لم نكتب شيئاً واقتصرنا على التفكير فقط أو النقاش الشفهي، بل ربما يكون مستحيلاً في الموضوعات الطويلة والكثيرة التفريع، فالكتابة تجعل الكاتب يتفرّغ للبحث والتفكير الدقيق في كل كلمة وجملة وفقرة، لذلك الكتابة هي أفضل ما ينتجه العالم من أعمال.

والكتابة أفضل اختراع بشريّ، وهذا سر قوله تعالى: (الذي علم بالقلم) من الذي علم الله ما هي وسيلة التعليم القلم فللقلم وحيه وهدايته وتوفيقه، والكاتب يتعلّم بالكتابة قبل القارئ، ومن يمارس الكتابة والتأليف يدرك ما أقول تماماً.

وكما قيل: الكتاب هو المعلم الذي يعلِّم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب، بلا خبزٍ ولا ماء، وإن دنوت منه لا تجده نائماً، وإن قصدته لا يختبىء منك، وإن أخطأت لا يوبخك، وإن أظهرت جهلك لا يسخر منك”؛ والكتب مرشدة في الصغر، وتسلية في الكبر، ومُؤنسة في العزلة.

لكن أحياناً يصعب معرفة الكتب المناسبة للتحديات التي نواجهها والأسئلة والإشكالات التي نحتاج فيها لأجوبة شافية، وملخصات الكتب تدلنا على ما نحتاجه.

لا أريد الاستطراد في ذكر أهمية ملّخصات الكتب، ففي الحلقة القادمة سأذكر 20 سبباً يدعونا لإدمان مشاهدة ملّخصات الكتب، فانتظروا الحلقة ففيها معلومات مفيدة جدا إن شاء الله.

برنامج (خلاصة كتاب)، وهي فكرة ليست جديدة، فهناك برامج ومقالات كثيرة تلخّص الكتب، لكن أغلبها -حسب اطلاعي- كتب تنمية بشرية وما يتعلق بالإنجاز والنجاح وتحقيق السعادة وهنا أنا لست ضد التنمية البشرية لأنه عنوان كبير يحوي تحته المفيد النافع وكما يحوي المبالغات والخرافات، وقد تحدثت عن التنمية البشرية بحلقة خاصة في برنامجي بصراحة تحت عنوان (شكراً للتنمية البشرية).

إذن أغلب ملخصات الكتب تتناول كتب الالتنمية البشرية وتعلُّم المهارات، وبالمقابل لم أجد من تخصّص بعرض وتلخيص الكتب الفكرية، فأردتُ أن أسدّ هذا الثغر، فشبابنا طامحون لمعرفة آراء المفكرين وأهم أطروحاتهم الإصلاحية، ليقتبسوا منها حلولاً وأفكاراً تفيد في نهضة أمتنا وإصلاح أحوالنا إن شاء الله.

سيساعدنا البرنامج في:

 سيساعدنا البرنامج في معرفة الكتب التي تهمنا وتلبي احتياجاتنا، كما سيمكننا -بأقل جهد- من معرفة أهمّ أفكار تلك الكتب والإشكالية الرئيسة التي يعالجه الكتاب..

 فربما يشتري أحدنا كتابا أو يُهدى إليه ويبقى زماناً والكتاب على الرف يتشوق لوقت حتى يطّلع على أفكاره وربما لا يستطيع، فيأتي الملخّص ويعرض علينا أهم أفكار الكتاب.

 وبالتالي يُمكّننا البرنامج من اختيار ما نحتاج إلى قراءته كاملاً، وما لا يفيدنا كثيراً، فالاطلاع على الملخص يسهّل علينا عملية انتقاء الكتب ويختصر علينا الأوقات.

كما سنتعرّف على المؤلفين والعلماء والمفكرين والقضايا التي اهتموا بها، وطريقة معالجتهم لتلك القضايا.

البرنامج فرصة مهمة للاطلاع على مجموعة كبيرة من أهم الكتب وذلك في مجالات الفكر المتنوعة، من قضايا فهم الدين، إلى قضايا السياسة وفهم الواقع، إلى قضايا الأسرة والتربية والعلاقات الاجتماعية والعلوم الإنسانية وغيرها الكثير بإذن الله تعالى.

هل يغني الملخص عن الكتاب الأصلي؟

وهنا يأتي سؤال مهم: هل يغني سماع الملخص عن الكتاب الأصلي أم لا؟

إخواني أخواتي: الملَخّص يعطينا فكرة عن أهم الأفكار ويبين لنا أنه يهمنا أو لا يهمنا، وإلا قبل أن نأخذ فكرة عن الكتاب كيف سنعرف أنّ هذا الكتاب يهمنا أم لا يهمنا؟

وسواء كان الملخص كافياً أم غير كافٍ فالاطلاع عليه مهم وضروري، لأن الملخص الكافي يوفّر علينا الوقت ونكتفي به، والملخَّص غير الكافي للكتاب يحضّنا ويشجّعنا على قراءة الكتاب كلّه (إن كان الكتاب يهمنا طبعاً).

للأمانة بعد سماعنا لملخص كتاب ما ورأينا أهمية الكتاب الشديدة لنا علينا قراءته كلّه، فالملّخص من الصعب جداً أن يحيط بكل أفكار الكتاب، لأنّ الملخّص عادة يكون لأهم الأفكار وليس لكل الأفكار، ثم إن قراءة نفس الكتاب يزيد وضوح الأفكار ويعطينا تفاصيلها ويعطينا تطبيقاتها، ويبيّن لنا الحجج والمقدّمات والأسباب التي بنى عليها المؤلف استنتاجاته، مما يتيح لنا نقدها أو تعديلها أو توليد غيرها أو البناء على نفس المقدمات والخروج بنتائج أخرى أو الوصول لنفس النتائج لكن بخطوات منهجية أفضل من مقدمات الكاتب..

ثم إنّ العيش بين صفحات الكتاب فيه متعة الإبحار مع المؤلف في رحلته الفكرية التي وصل بها في النهاية إلى نتائجه.

ولماذا نحصر أنفسنا بخيارين (إما هذا وإما هذا) لماذا لا نفكر بعقلية (هذا وهذا)، فمن يمنعنا من مشاهدة الملّخص وقراءة نفس الكتاب، لو شعرنا بحاجتنا للاطلاع على الكتاب؟!

فكما بيّنا سابقاً الملخص يفيدنا جداً لو شاهدناه قبل الشروع بقراءة الكتاب نفسه.

شكل البرنامج:

 (خلاصة كتاب) سيُقدم تلخيصات الكتب بطريقة مرئية ومسموعة جميلة، وسيكون هناك تأثيرات مرئية وصور توضيحية من تشجير وتعداد، كل هذا سيساعدنا على توضيح الأفكار من جهة، ويمنحنا متعة المشاهدة من جهة أخرى.